أخت تستنجد بالله
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

أخت تستنجد بالله

أختكم في الله az2za
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 تأويلهم صفة الوجه

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
بيبرس
العضو الذهبي
العضو الذهبي
بيبرس


ذكر عدد الرسائل : 185
تاريخ التسجيل : 27/03/2007

تأويلهم صفة الوجه Empty
مُساهمةموضوع: تأويلهم صفة الوجه   تأويلهم صفة الوجه Icon_minitimeالأحد مايو 20, 2007 5:09 pm

تأويلهم صفة الوجه



* قال ابن الجوزي في " دفع شبه التشبيه" (ص113):

«قال الله تعالى: { وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ}[الرحمن: الآية 27]، قال المفسرون: معناه: يبقى ربك، وكذا قال في قوله: { يُريدُونَ وجَهْهُ} [الأنعام: الآية 52]، أي: يريدونه، وقال الضحَّاك وأبو عبيدة في قوله: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} [القصص: الآية 88]، أي: إلا هو، وقد ذهب الذين أنكرنا عليهم إلى أن الوجه صفة تختص باسم زائد على الذات.

قلت: فمن أين قالوا هذا، وليس لهم دليل إلا ما عرفوا من الحسيات؟‍! وذلك يوجب التبعيض، ولو كان كما قالوا، كان المعنى أن ذاته تهلك إلا وجهه.

وقال ابن حامد: أثبتنا لله وجهًا، ولا يجوز إثبات رأس.

قلت: ولقد اقشعرَّ بدني من جراءته على ما ذكر هذا، فما أعوزه في التشبيه غير الرأس».

· والجواب عن هذه الشبهة من وجهين: مجمل ومفصَّل:

أما المجمل، فإنه يقال: قد دلَّ الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها على أن لله تعالى وجهًا كما أن له يدين وسمعًا وبصرًا وصورةً وعلمًا وحياةً وقدمًا، وغير ذلك ممَّا وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، فيجب إثبات الوجه لله تعالى إثباتًا بلا تمثيل وتنزيهًا بلا تعطيل؛ لأن الله { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى: الآية11]؛ فكما أننا نثبت لله تعالى ذاتًا لا تُشبه الذوات، فكذلك نثبت لله تعالى وجهًا لا شبيه له ولا نظير.

وقد نفى الجهمية وأشباههم من نفاة الصفات صفة الوجه عن الله تعالى، وحرَّفوا الكلم عن مواضعه، وأتوا بعبارات مجملة تحتمل حقًّا وتحتمل باطلاً، وقد أرادوا بها قطعًا معنى باطلاً؛ كي يلبسوا بها على الخلق.

وهذه الألفاظ المجملة يلهج بها أهل البدع لينفوا بها صفات الباري جل وعلا.

وبالاعتصام بكتاب الله وسنة رسول صلى الله عليه وسلم نجاة من أباطيلهم وشبههم.

وفي الأدلة من الكتاب والسنة الصحيحة شيء كثير ممَّا يرد على الجهمية وغيرهم من النفاة، ويدحض شبههم، ويقمع باطلهم:

قال تعالى: { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} [القصص : الآية 88].

وقال تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن : الآية 27].

وفي «صحيح الإمام البخاري» رحمه الله (13/388) عن جابر بن عبد الله، قال: لما نزلت هذه الآية: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ}، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أعوذ بوجهك»، فقال: { أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ}، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أعوذ بوجهك»، قال: { أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً}، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«هذا أيسرُ».

فهذا الحديث نص صحيح صريح في إثبات الوجه لله تعالى، وهو من الصفات الذاتية.

ومن الأدلة أيضًا على إثبات صفة الوجه لله تعالى ما رواه مسلم في «صحيحه» (رقم 179) عن أبي موسى، قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات، فقال: «إن الله عزَّ وجل لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعملُ النهار قبل عمل الليل، حجابه النور (وفي رواية أبي بكر: النار)، لو كشفه؛ لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه».

والجهمية تنكر هذا الحديث وما في معناه؛ فعموا وصموا.

والأشاعرة تحرفه وتتأوَّله بتأويلات فاسدة: إما بتفسير الوجه بالذات لتنفي صفة الوجه عن الله، وإمَّا بغير ذلك من التأويلات المستكرهة.

وهناك أيضًا من الأدلة الصحيحة المتلقاة بالقبول عند أهل العلم مما يثبت لله تعالى صفة الوجه ما يغيظ الجهمية والمعتزلة والأشاعرة وغيرهم من الطوائف الضالة:

ففي «صحيح البخاري» (13/423) و«مسلم» (رقم 180) من طريق أبي بكر بن عبد الله بن قيس، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «جنتان من فضَّة آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم، إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن».

فقوله: «على وجهه»: فيه إثبات الوجه لله تعالى حقيقة.

وأهل الباطل تأوَّلوا هذا الحديث كما تأولوا غيره من الأحاديث الدالة على إثبات صفة الوجه لله تعالى، حتى قال عياض: «فمن أجرى الكلام على ظاهره؛ أفضى به الأمر إلى التجسيم...»!!

وهذا خطأ وغلط؛ فليس في إثبات الصفات لله تعالى تجسيم، فإن السلف يثبتون لله ما أثبته لنفسه وما أثبته له رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، إثباتًا بلا تمثيل، وتنزيهًا بلا تعطيل.

والواجب على جميع الخلق التسليم والانقياد لكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وعدم ضرب الأمثال لله تعالى؛ فإنه من أعظم الضلال والإلحاد.

والذي لا يفهم من صفات الخالق إلا ما يفهمه من صفات المخلوق هو المجسم المشبه؛ فالله المستعان.

ومن الأدلة أيضًا على إثبات الوجه لله تعالى ما رواه أبو داود (1/124) بسند حسن من طريق عبد الله بن المبارك، عن حيوة بن شريح، قال: لقيت عقبة بن مسلم، فقلت له: بلغني أنك حدثت عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه كان إذا دخل المسجد، قال: «أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم»، قال: أقط؟ قلت: نعم، قال: «فإذا قال ذلك؛ قال الشيطان: حُفِظ مني سائر اليوم».

فقوله: «وبوجهه الكريم»: دليل على إثبات الوجه لله تعالى.

ويرد على زعم أن الوجه هو الذات بأن النبي صلى الله عليه وسلم استعاذ أولاً بالله العظيم، ثم استعاذ ثانيًا بوجهه الكريم، والعطف يدل على المغايرة.

والأحاديث والآثار عن الصحابة رضي الله عنهم في إثبات الوجه لله تعالى كثيرة، وقد خرَّجها كثير من أهل العلم في كتبهم، متلقين لها بالقبول، مقابلين لها بالتسليم، ولم يُنكرها أحد منهم.

قال الإمام ابن خزيمة رحمه الله في كتاب «التوحيد» بعد أن ساق الآيات الدالة على إثبات الوجه لله تعالى، قال:

«فنحن وجميع علمائنا من أهل الحجاز وتهامة واليمن والعراق والشام ومصر مذهبنا أنا نثبت لله ما أثبته لنفسه، نقر بذلك بألسنتنا، ونصدق ذلك بقلوبنا، من غير أن نشبه وجه خالقنا بوجه أحد من المخلوقين، عزَّ ربنا عن أن يشبه المخلوقين، وجلَّ ربنا عن مقالة المعطِّلين، وعزَّ أن يكون عدمًا كما قاله المبطلون؛ لأن ما لا صفة له عدم، تعالى الله عمَّا يقول الجهميُّون الذين ينكرون صفات خالقنا الذي وصف بها نفسه في محكم تنزيله وعلى لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم...».

وقال رحمه الله: «نحن نقول وعلماؤنا جميعًا في جميع الأقطار: إن لمعبودنا عزَّ وجلَّ وجهًا كما أعلمنا الله في محكم تنزيله...».

وأمَّا الجواب المفصَّل؛ فمن وجوه:

الوجه الأول: أن ابن الجوزي قال علي قول الله تعالى: { وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن: الآية 27]؛ قال: «قال المفسِّرون: معناه: يبقى ربك»: وهذا التعميم والإطلاق بأنه قول المفسرين خطأ؛ فهناك من المفسرين ممن قبل ابن الجوزي فسَّر الآية بغير ما ادَّعاه ابن الجوزي، مع أن الحق ليس محصورًا فيمن صنَّف كتابًا أو كتبًا في التفسير.

قال الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري رحمه الله في «تفسيره» على قوله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ* وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [ الرحمن : الآيتان 26- 27] :

«يقول تعالى ذكره: كل من على ظهر الأرض من جن وإنس؛ فإنه هالك، ويبقى وجه ربك يا محمد ذو الجلال والإكرام، و{ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} من نعـت الوجـه؛ فلـذلك رفع {ذو}..».

هذا مذهب أهل التحقيق في تفسير هذه الآية، ومن فسَّر الوجه بالذات؛ فقد أخطأ وسلك مسلك الجهمية.

قال الإمام ابن خزيمة رحمه الله في «كتاب التوحيد» (1/51): «وزعم بعض جهلة الجهمية أن الله عز وجل إنما وصف في هذه الآية [نفسه] التي أضاف إليها الجلال بقولـه: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن: الآية 78]، وزعت أن الرب هو ذو الجلال والإكرام، لا الوجه».

قال أبو بكر: «أقول – وبالله توفيقي-: هذه دعوى يدَّعيها جاهل بلغة العرب؛ لأن الله عز وجل قال: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ}[الرحمن: الآية 27]: فذكر الوجه مضمومًا في هذا الموضع مرفوعًا، وذكر الرب بخفض الباء بإضافة الوجه، ولو أن قوله: {ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ}: مردودًا إلى ذكر الرب في هذا الموضع؛ لكانت القراءة: (ذي الجلال والإكرام)؛ مخفوضًا، كما كان الباء مخفوضًا في ذكر الرب جلَّ وعلا.

ألم تسمع قوله تبارك وتعالى: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن: الآية78]، فلمَّا كان {الْجَلاَلِ} و{الإِكْرَامِ} في هذه الآية صفة للرب؛ خفض {ذِي} خفض الباء الذي ذكر في قوله: ]ربِّك[، ولما كان الوجه في تلك الآية مرفوعة التي كانت صفة الوجه مرفوعة؛ فقال: {ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ}، فتفهَّموا يا ذوي الحِجا هذا البيان الذي هو مفهوم في خطاب العرب، لا تغالطوا؛ فتتركوا سواء السبيل.

وفي هاتين الآيتين دلالة أن وجه الله صفة من صفات الله، صفات الذات، لا أن وجه الله هو الله، ولا أن وجهه غيره، كما زعمت المعطلة الجهمية؛ لأن وجه الله لو كان الله؛ لقرئ: (ويبقى وجه ربك ذي الجلال والإكرام)! فما لمن لا يفهم هذا القدر من العربية ولوضع الكتب على علماء أهل الآثار القائلين بكتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم؟!».

وقال العلامة ابن القيم رحمه الله – كما في «مختصر الصواعق» (ص337)-: «إنه لا يعرف في لغة من لغات الأمم وجه الشيء بمعنى ذاته ونفسه، وغاية ما شبه به المعطل وجه الرب: أن قال: هو كقوله: وجه الحائط، ووجه الثوب، ووجه النهار، ووجه الأمر، فيقال لهذا المعطل المشبِّه: ليس الوجه في ذلك بمعنى الذات، بل هذا مبطل لقولك؛ فإن وجه الحائط أحد جانبيه؛ فهو مقابلٌ لدبره، ومثل هذا وجه الكعبة ودبرها؛ فهو وجه حقيقة، ولكنه بحسب المضاف إليه، فلما كان المضاف إليه بناء؛ كان وجهه من جنسه، وكذلك وجه الثوب أحد جانبيه، وهو من جنسه، وكذلك وجه النهار أوَّله، ولا يقال لجميع النهار، وقال ابن عباس: وجه النهار أوَّله، ومنه قولهم: صدر النهار، قال الأعرابي: أتيته بوجه نهار وصدر نهار، وأنشد للربيع بن زياد:
مَنْ كانَ مَسْرُورًا بِمَقْتَلِ مالِكٍ فَلْيَأْتِ نِسْـــوَتَنا بِوَجْـهِ نَهارِ


والوجه في اللغة: مستقبل كل شيء؛ لأنه أول ما يوجه منه، ووجه الرأي والأمر: ما يظهر أنه صوابه، وهو في كل محل بحسب ما يضاف إليه؛ فإن أضيف إلى زمن؛ كان الوجه زمنًا، وإن أضيف إلى حيوان؛ كان بحسبه، وإن أضيف إلى ثوب أو حائط؛ كان بحسبه، وإن أضيف إلى من { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى : الآية 11]، كان وجهه تعالى كذلك».

أقول: ولما كان ابن الجوزي مضطربًا في العقيدة؛ ففي بعض كتبه يؤول، وفي بعضها يثبت؛ فقد جاء عنه ما يدل على أنه يثبت الوجه لله تعالى؛ كما دلَّ على ذلك الكتاب والسنة.

قال في كتابه «مجالس ابن الجوزي» يرد على من أوَّل الوجه بالذات: «وقول المعتزلة: إنه أراد بالوجه الذات؛ فباطل؛ لأنه أضافه إلى نفسه، والمضاف ليس كالمضاف إليه؛ لأن الشيء لا يضاف إلى نفسه...».

وهذا حق، ولكن ابن الجوزي لم يثبت على هذا، والاضطراب ظاهر عليه في كتبه، فإنه لا يثبت على قدم النفس ولا على قدم الإثبات؛ فيثبت تارة وينفي تارة، وكثيرًا ما يفوض، كما صنع في «تلبيس إبليس»، فإنه قال (ص101):

«ومن الناس من يقول: لله وجه، هو صفة زائدة على صفة ذاته؛ لقوله عز وجل: {ويبقى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن: الآية 26]، وله يد، وله إصبع؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يضع السماوات على إصبع»، وله قدم... إلى غير ذلك ممَّا تضمنته الأخبار، وهذا كلُّه إنما استخرجوه من مفهوم الحس، وإنما الصواب قراءة الآيات والأحاديث من غير تفسير ولا كلام فيها..».

الوجه الثاني: أن ابن الجوزي قال: «وقد ذهب الذين أنكرنا عليهم إلى أن الوجه صفة تختص باسم زائد على الذات، قلت (القائل ابن الجوزي): فمن أين قالوا هذا وليس لهم دليل إلا ما عرفوه من الحسيات؟!».

وجواب هذا أن يقال: إن القول بأن هذه الصفة زائدة على الذات أم غير زائدة كلام مجمل، يحتمل حقًّا ويحتمل باطلاً.

والألفاظ المجملة التي لم ترد لا في الكتاب ولا في السنة ولم يتكلم بها الصحابة توقع اللبس، وطريق السلامة التفصيل:

فمن أثبت الوجه لله تعالى وغيره من الصفات التي صحَّت بها النصوص، وقال: صفات الله زائدة على الذات؛ فمراده زائدة على ما أثبته نفاة الصفات؛ فإنهم يثبتون لله تعالى ذاتًا مجردة عن الصفات، فلا يثبتون لله وجهًا ولا يدين ولا قدمًا ولا صورةً ولا كلامًا، بل لا يثبتون إلا ذاتًا مجردة عن الصفات، وهذا ضلال باتفاق علماء السلف؛ إذ لا توجد ذات مجردة عن الصفات، وأهل البدع يوردون الألفاظ المجملة تلبيسًا على الخلق؛ ليدركوا مرادهم من حيث لا يُشْعَر بمقصدهم، ولذلك لا يثبتون الوجه لله تعالى ولا غيره من الصفات، ويعيبون على من قال: إن الوجه صفة زائدة على الذات، مع أن مراد مَن قال في صفات الله: زائدة على الذات، أي: زائدة على ما أثبته نفاةُ الصفات.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في «الفتاوى» (5/326): «وإذا قال مَن قال مِن أهل الإثبات للصفات: أنا أثبتُ صفات لله زائدة على ذاته، فحقيقة ذلك أنا نثبتها زائدة على ما أثبتها النفاة من الذات؛ فإن النفاة اعتقدوا ثبوت ذات مجردة عن الصفات، فقال أهل الإثبات: نحن نقول بإثبات صفات زائدة على ما أثبته هؤلاء، وأما الذات نفسها الموجودة، فتلك لا يتصور أن تحقق بلا صفة أصلاً، بل هذا بمنزلة من قال: أثبت إنسانًا لا حيوانًا ولا ناطقًا ولا قائمًا بنفسه ولا بغيره ولا له قدرة ولا حياة ولا حركة ولا سُكُون... أو نحو ذلك، أو قال: أثبت نخلة ليس لها ساق ولا جذع ولا ليف... ولا غير ذلك، فإن هذا يثبت ما لا حقيقة له في الخارج ولا يعقل؛ ولهذا كان السلف والأئمة يُسمون نفاة الصفات معطلة؛ لأن حقيقة قولهم تعطيل ذات الله تعالى، وإنْ كانوا هم قد لا يعلمون أنَّ قولهم مستلزم للتعطيل، بل يصفونه بالوصفين المتناقضين؛ فيقولون: هو موجود قديم واجب، ثم ينفون لوازم وجوده، فيكون حقيقة قولهم: موجود ليس بموجود! حق ليس بحق! خالق ليس بخالق! فينفون عنه النقيضين: إمَّا تصريحًا بنفيهما، وإمَّا إمساكًا عن الإخبار بواحد منهما..».

وأمَّا قول ابن الجوزي: «وليس لهم دليل إلا ما عرفوه من الحسيات»؛ فهذا جهل بالنصوص وبما عليه علماء السلف، فإنهم متفقون على إثبات صفة الوجه لله تعالى حقيقة.

وأما قول من قال من العلماء: إن الوجه صفة تختص باسم زائد على الذات، فمرادهم زائد على ما نفاه نفاةُ الصفات المعطلة، الذين ينفون عن الله تعالى ما وصف به نفسه وما وصفه به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.

الوجه الثالث: أنَّ قول ابن الجوزي: «ولو كان كما قالوا، كان المعنى أن ذاته تهلك إلا وجهه»: يقال عنه: هذا جهل وقول فاسد، فإننا لو سلمنا أن المراد بقول الله تعالى: { كُلُّ شيءٍ هالِكٌ إلاَّ وَجْهَهُ} [القصص: الآية 88]؛ أي: إلا ذاته، أو: إلا هو، لم يكن في ذلك دليل على نفي الوجه عن الله تعالى؛ لأن النصوص كثيرة في إثبات الوجه لله تعالى، ولا عبرة بحثالة الجهمية والمعطلة الذين ينكرون ذلك، ويكون معنى الآية على ما قال الإمام ابن خزيمة رحمه الله في كتاب «التوحيد» (ص24): «ونفى عنه الهلاك إذا أهلك الله ما قد قضى عليه الهلاك ممَّا قد خلقه الله للفناء لا للبقاء، جلَّ ربنا عن أن يهلك شيء منه مما هو من صفات ذاته..».

الوجه الرابع: أن قول ابن الجوزي: «وقال ابن حامد: أثبتنا لله وجهًا، ولا نجوِّز إثبات رأس، قلت (القائل ابن الجوزي): ولقد اقشعرَّ بدني من جراءته على ذكر هذا، فما أعوَزه في التشبيه غير الرأس».

يجاب عنه، فيقال: إن من أثبت لله تعالى ما أثبته لنفسه وما أثبته له رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يتجاوز القرآن والحديث الصحيح؛ فقد سلك الصراط المستقيم، واقتفى أثر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم إلى يوم الدين.

ومن أنكر ما وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، أو حرَّف ذلك، أو اقشعرَّ جلده من ذلك استنكارًا؛ فقد ضلَّ عن الهدي القويم، وسلك مسلك النفاة من الجهمية والمعطلين.

وإن من أصول أهل السنة والجماعة: أن الله تعالى لا يوصف إلا بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.

وهذا الأصل يجب التمسك به والعض عليه بالنواجذ، خصوصًا عند جِدال المبطلين، وتلبيس المماحلين، وتشبيه المشبهين.

فإذا علم هذا الأصل العظيم الذي لا يضل من تمسك به، فليعلم أنَّ النصوص جاءت صريحة صحيحة في إثبات الوجه لله تعالى، وقد تقدم بعضها، فمن أنكرها، فإنما ينكر على الله قوله وعلى الرسول صلى الله عليه وسلم خبره، وهذا من أعظم الضلال وأقبح الباطل.

قال تعالى: { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [النساء: الآية 65] .

ومن ردَّ آيات الصفات وأحاديثها أو حرَّفها؛ فهو والله بمعزل عن هذا التحكيم.

وقول ابن حامد: «ولا نجوِّز إثبات الرأس»: قصده في ذلك أن النص لم يأتِ به، ولو جاء النص به؛ لكنَّا أوَّل القائلين به؛ تفاديًا من غضب الله وغضب رسوله صلى الله عليه وسلم.

وقد قال تعالى: { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: الآية 63]، قال الإمام أحمد رحمه الله: «أتدري ما الفتنة؟ الفتنة: الشرك، لعله إذا ردَّ بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك».

فلما لم يأتِ النص بإثبات الرأس لله تعالى، لم يقل به ابن حامد.

وأي عيب في هذا؟!

ومنه يظهر أن إنكار ابن الجوزي ليس في محله؛ لأن ابن حامد أثبت لله وجهًا، وهكذا جاءت النصوص، فمن أنكر على ابن حامد؛ فإنما يرد الآيات والأحاديث الصحاح، وهذا ضلال بعيد وزيغ عظيم، نسأل الله السلامة والعافية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.d-sunnah.net
 
تأويلهم صفة الوجه
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تأويلهم صفة العين

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
أخت تستنجد بالله :: بوابة دفع شبهات المبطلين :: رد شبهات الاشاعرة-
انتقل الى: