قال ابن حجر في فتح الباري (12/270-271) : " قال أبو حاتم السجستاني وغيره : الزنديق فارسي معرب أصله زنده كرداي ، يقول بدوام الدهر ؛ لأن زنده الحياة ، وكرد العمل ، ويطلق على من يكون دقيق النظر في الأمور .
وقال ثعلب : ليس في كلام العرب زنديق ، وانما قالوا : زندقي لمن يكون شديد التحيل .
وإذا أرادوا ما تريد العامة قالوا ملحد ودهري بفتح الدال ، أي يقول : بدوام الدهر .
وإذا قالوها بالضم أرادوا كبر السن .
وقال الجوهري : الزنديق من الثنوية ، كذا قال .
وفسره بعض الشراح : بأنه الذي يدعي أن مع الله إلها آخر .
وتعقب بأنه يلزم منه أن يطلق على كل مشرك .
والتحقيق ما ذكره من صنف في الملل أن أصل الزنادقة اتباع ديصان ثم ماني ثم مزدك الأول - بفتح الدال وسكون الياء التحتانية ، بعدها صاد مهملة - .
والثاني بتشديد النون وقد تخفف والياء خفيفة .
والثالث بزاي ساكنة ودال مهملة مفتوحة ثم كاف .
فينبغي مقالتهم أن النور والظلمة قديمان ، وأنهما امتزجا فحدث العالم كله منهما ، فمن كان من أهل الشر فهو من الظلمة ، ومن كان من أهل الخير فهو من النور ، وأنه يجب السعي في تخليص النور من الظلمة ، فيلزم إزهاق كل نفس .
وإلى ذلك أشار المتنبي حيث قال في قصيدته المشهورة :
وكم لظلام الليل عندك من يد تخبر أن المانوية تكذب
وكان بهرام جد كسرى تحيل على ماني حتى حضر عنده وأظهر له أنه قبل مقالته ثم قتله وقتل أصحابه وبقيت منهم بقايا اتبعوا مزدك المذكور .
وقام الإسلام والزنديق يطلق على من يعتقد ذلك وأظهر جماعة منهم الإسلام خشية القتل .
ومن ثم أطلق الاسم على كل من أسرَّ الكفر وأظهر الإسلام .
حتى قال مالك : الزندقة ما كان عليه المنافقون .
وكذا أطلق جماعة من الفقهاء الشافعية وغيرهم ؛ أن الزنديق هو : الذي يظهر الإسلام ويخفي الكفر .
فان أرادوا اشتراكهم في الحكم فهو كذلك وإلا فأصلهم ما ذكرت .
وقد قال النووي في لغات الروضة : الزنديق : الذي لا ينتحل دينا .
... وقد قيل إن سبب تفسير الفقهاء الزنديق بما يفسر به المنافق قول الشافعي في المختصر : ونصف كفر ارتد اليه مما يظهر أو يسر من الزندقة وغيرها ثم تاب سقط عنه القتل .
وهذا لا يلزم منه اتحاد الزنديق والمنافق بل كل زنديق منافق ولا عكس .
وكان من أطلق عليه في الكتاب والسنة المنافق يظهر الإسلام ويبطن عبادة الوثن أو اليهودية .
وأما الثنوية فلا يحفظ أن أحدا منهم أظهر الإسلام في العهد النبوي والله أعلم " . ا.هـ